سورة الإخلاص

 بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ

(سورة الاخلاص)
مكّيّةٌ، ترتيبها 112، وآياتها أربع.

وقد روي في شأن النّزول: أنّ بعض المشركين جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا محمّد، صف لنا ربّك، أمِن ذهبٍ هو أم من فضّةٍ، أمن زبرجدٍ أم من ياقوتٍ، فنزلت السّورة.

وروي أنّ اليهود قالوا للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم: صف لنّا ربّك، فنزلت السّورة.

التفسير:
قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

اعلم أنّ وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ:

الأوّل: أنّه واحدٌ لا ثاني له، فهو نفيٌ للعدد، ليس كما يعتقد النّصارى بالتثليث، العقيدة الّتي أشار إليها قوله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ1  هم يقولون إنّ الإله ثلاثة أقانيم (الأب والابن والروح القدس).

الثّاني: أنّه واحدٌ لا نظير له ولا شريك له، ليس كما يعتقد المشركون بتعدّد الآلهة.

الثّالث: أنّه واحدٌ لا ينقسم ولا يتبعّض.

لقد أقام الله في القرآن براهين قاطعةً على وحدانيّته تعالى، وهي:

الأوّل: قوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ2، وهذا دليل الخلق والإيجاد، فإذا ثبت أنّ الله تعالى خالقٌ لجميع الموجودات، لم يصحّ أن يكون واحدٌ منها شريكاً له.

والثّاني: قوله تعالى:﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا3، وهو دليل الإبداع والإحكام.

الثّالث: قوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً4، وهو دليل القهر والغلبة.

الرّابع: قوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ5، وهو دليل التّنازع.

قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ، الصمد مفهوم واسع ينفي صفات المخلوقين عن ساحته المقدّسة، وأنّه جلّ وعلا المقصود في الحوائج المستغني عن العالمين.

قوله تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ، أي: لم يتّخذ ولداً وليس له أبناءٌ وبناتٌ.

وفي الآية ردٌّ على كلّ مَن جعل لله ولداً كاليهود في قولهم: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ6، والنّصارى في قولهم:﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ7، وكمشركي العرب في زعمهم أنّ (الملائكة بنات الله)، والولد لا يكون إلاّ لِمَن له زوجةٌ، والله ليس له زوجةٌ ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ8.

قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يُولَدْ أي: لم يولد لا من أب ولا أُمٍّ، لأنّ كلّ مولود حادث، وهو سبحانه قديمٌ أزليّ.

قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ كقوله:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ9.

والكفوء: النظير والشبيه.

فائدةٌ:
هذه السّورة الكريمة مؤلّفةٌ من أربع آياتٍ، وقد جاءت في غاية الإيجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال، ونزّهت الله جلّ وعلا عن صفات العجز والنّقص, فقد أثبتت الآية الأُولى الوحدانيّة ونفت التّعدّد﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وأثبتت الثّانية كماله تعالى، ونفت النّقص والعجز ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ، وأثبتت الثّالثة أزليّته وبقاءه، ونفت الذّرّية والتّناسل ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وأثبتت الرّابعة عظمته وجلاله، ونفت الأنداد والأضداد ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

وقد روي أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعليّ عليه السلام: “مثلك مثل ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإنّه من قرأها مرّة فكأنّما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنّما قرأ القرآن، وكذلك من أحبّك بقلبه كان له مثل ثلث ثواب أعمال العباد، ومن أحبّك بقلبه ونصرك بلسانه كان له مثل ثلثي أعمال العباد، ومن أحبّك بقلبه ونصرك بلسانه ويده كان له مثل ثواب أعمال العباد”10.

هوامش

1- سورة المائدة، الآية 73.

2- سورة النحل، الآية 17.

3- سورة الأنبياء، الآية 22.

4- سورة الإسراء، الآية 42.

5- سورة المؤمنون، الآية 91.

6- سورة التوبة، الآية 30.

7- سورة التوبة، الآية 30.

8- سورة الأنعام، الآية 101.

9- سورة الشورى، الآية 11.

10- المحاسن، البرقي، ج1، ص154.

Add comment

روابط

التقويم الهجري

شعبان 1438
نيسان - أيّار 2017
M D M D F S S
الإثْنَين الثَلاثاء الأربَعاء الخَميس الجُمُعة السَبْت الأحَد
« رجب اليوم  رمضان »
 

128

229

330

41/5

52

63

74

85

96

107

118

129

1310

1411
1512

1613

1714
1815

1916

2017

2118
2219

2320
2421

2522

2623
2724

2825

2926

3027