خدمة الناس رحمة إلهية

خدمة الناس رحمة إلهية
من النعم الإلهية الكبرى أن يوفّق الإنسان للقيام بخدمة أو معروف اتجاه إخوانه، لأنه لو اطلع على ما أعدّه الله تعالى له من عطاء أبدي لا ينفذ لأدرك أنّ الأمر بالعكس، بمعنى أنّ المحتاج والمخدوم هو الذي يسدي خدمة للخادم والباذل، لأنّه السبب في حصوله على هذه الهبة الربّانية الفريدة، وعليه ليس من الصواب أن تتاح فرصة لأحدنا بتقديم مساعدة للآخرين وقضاء حوائجهم فيفوّت تلك الفرصة.

روي عن الإمام الصَّادق عليه السلام: “تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله, فإنّ للجنة باباً يقال له المعروف، لا يدخله إلّا من اصطنع المعروف في الحياة الدُّنيا, فإن العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله به ملكين، واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته…”1.

وفي الواقع من يطرق بابك محتاجاً إلى معاونتك فقد ساق رحمة الله تعالى إليك، وينبغي أن تستبشر خيراً وتقابله بوجه ملؤه البسمة والانشراح، فإن قدرت على إجابته وتلبية طلبه كان زيادة في حسناتك وذخيرة ليوم معادك، ومن غير اللائق استقباله بوجه عبوس ومنطق غليظ وأسلوب مهين، حتى مع العجز عن القيام بخدمته وإيصاله إلى مطلوبه، حيث لا يبرّر عدم القدرة على تلبية طلبه التعامل السيّء معه، مع كونه سبباً من أسباب الرحمة كما في الحديث عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “أيّما مؤمن أتى أخاه في حاجة، فإنّما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسبّبها له، فإن قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على

قضائها فإنه ردَّ عن نفسه رحمة من الله عزَّ وجلَّ، ساقها إليه وسبَّبها له، وذخر الله تلك الرحمة إلى يوم القيامة، حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء صرفها إلى نفسه، وإن شاء صرفها إلى غيره…”2.

وفي الوصية المتقدِّمة حدّثنا الامام عن الثواب الجزيل المعدّ لأهل المعروف جزاء مشيهم وخطواتهم في حاجات إخوانهم مشيراً إلى الميدان الذي فيه تكون هذه التجارة الرابحة مع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله عليه السلام: “من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا”. فعلينا اغتنام هذه الفرصة الثمينة وتزيين صفحات وجودنا بها ولنا من الخالق سبحانه خير الجزاء.

خدمة الناس هي خدمة الله‏

جاء عن مولانا الصادق عليه السلام: “من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله تعالى عمره”3.

يكشف لنا هذا الحديث الشريف عن عمق وحقيقة الخدمة الإنسانية مبيّناً بأنها خدمة إلهية طالما المراد بها وجه الله تعالى ونيل رضاه، وإلا لو كانت للتباهي وكسب مودة أصحاب النفوذ ورياء يراد بها وجه الناس، فليس هناك شك في عدم اعتبارها خدمة لله تعالى وإنّما خدمة للناس بغية نيل مكانة لديهم أو الحصول على منصب من مناصب الدنيا الفانية. يقول الإمام الخميني قدس سره: “ليهيّء الأحبة الأعزاء أنفسهم لخدمة الإسلام والشعب المحروم وليشدّوا الأحزمة لخدمة العباد التي تعني خدمة الله”.

خدمة الناس أفضل الأعمال‏
والخدمة طالما كانت خالصة لوجه الله تعالى فهي من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عزَّ وجلَّ يقول الإمام الخميني قدس سره: “لا أظنّ أنّ هناك عبادة أفضل من خدمة المحرومين”.

لقد كانت حياة الإمام قدس سره عامرة من بداياتها، إلى أن التحق بالملكوت الأعلى بخدمة المؤمنين والشعب المستضعف والعلماء والأصدقاء. ينقل بعضهم أنّ الإمام الخميني قدس سره بعد أن تشرّف بزيارة الإمام الرضا عليه السلام في إحدى المرّات كان يترك رفاقه في الحرم المشرّف يتعبدون إلى الصباح ويعود إلى المنزل لكي يهيئ لهم الفطور ويشتري الخبز ويقوم بخدمات المنزل الذي نزلوا به وحينما يسأله أحدهم لماذا لم تبق أنت في الحرم المطهّر وتأمر أحدنا بأن يعود إلى المنزل ويقوم بتهيئة الطعام، يكون جوابه قدس سره: “لم يثبت عندي أن البقاء في حرم الإمام عليه السلام بعد الزيارة أفضل من خدمة المؤمنين”4.

ويحدّثنا مولانا الصادق عليه السلام عن هذه الحقيقة التي شاهدناها في سلوك الإمام الخميني قدس سره وحياته العملية قائلاً: “لأن أسعى مع أخ لي في حاجة حتى تقضى أحب إليّ من أن أعتق ألف نسمة وأحمل على ألف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة”5.

وفي حديث آخر: “قال الله عزَّ وجلَّ: الخلق عيالي، فأحبهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم”6.

ويحدثنا مولانا الباقر عليه السلام عن مدى حبّه وتفضيله لخدمة المحرومين حيث يقول: “لأن أعول أهل بيت من المسلمين. أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكف وجوههم عن الناس أحب إليّ من أن أحج حجة وحجة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين7.

الثمار الطيّبة لخدمة الناس‏
ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام بيان كافٍ ووافٍ للآثار المترتِّبة على خدمة الناس باختلاف أشكالها وأساليبها، ومن هذه الآثار:

– الأمن يوم القيامة:
روي عن مولانا الكاظم عليه السلام أنّه قال: “إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة”8.

– ألف ألف حسنة:
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: “من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله كتب الله له ألف ألف حسنة”9. نلاحظ هنا أن هذا الأثر الأخروي مترتّب على السعي حتى وإن لم تقض الحاجة، فلو بذل الإنسان وسعه وسعى ليقضي حاجة أخيه فلم يوفّق كان له هذا الأثر فكيف لو قضيت؟ وكذلك يشير هذا الحديث الشريف إلى مسألة طلب وجه الله تعالى بذلك لا طلب وجه الناس والدنيا.

– ثواب عبادة تسعة آلاف سنة:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره قائماً ليله”10.

– كان الله في حاجته: روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته ما كان في حاجة أخيه”11.

– استغفار الملائكة له: جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكّل الله عزَّ وجلَّ به ملكين: واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته”12.

– ثواب المجاهدين: روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل الله”13.

– ثواب السعي بين الصفا والمروة:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة”14.

– كمن عبد الله دهره:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله دهره”15.

– الفوز بالجنة:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله تبارك وتعالى: عليّ ثوابك، ولا أرضى لك بدون الجنة”16.

– تهون عليه سكرات الموت وأهوال القبر: روي في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: “من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت، وأن يوسّع عليه قبره، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى”17.

– قبول الأعمال:
روي عن مولانا الكاظم عليه السلام: “إنّ خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم وإلا لم يقبل منكم عمل”18.

هوامش

1- الكافي، ج 2، م. س، ص 195, كتاب الإيمان والكفر، باب قضاء حاجة المؤمنين، ح 110.

2- الكافي، ج 2، م. س، ص‏239.

3- عوالي الئالي، ج‏1. ص‏374.

4- مجلة بقية الله، العدد 140، ص‏43.

5- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏74، ص‏316.

6- الشيخ الكليني، الكافي، ج‏2، ص‏199.

7- م.ن. ص‏195.

8- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏74، ص‏319.

9- الشيخ الكليني، الكافي، ج‏2، ص‏197.

10- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏74، ص‏315.

11- الشيخ الطوسي، أمالي الطوسي، ص‏97.

12- الشيخ الكليني، الكافي، ج‏2، ص‏195.

13- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال ص‏340.

14- الشيخ الحرّاني، تحف العقول، ص‏303.

15- ميزان الحكمة، حديث: 4461.

16- م.ن. حديث: 4465.

17- الشيخ الكليني، الكافي، ج‏2، ص‏204.

18- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏75، ص‏379.

Add comment

روابط

التقويم الهجري

شعبان 1438
نيسان - أيّار 2017
M D M D F S S
الإثْنَين الثَلاثاء الأربَعاء الخَميس الجُمُعة السَبْت الأحَد
« رجب اليوم  رمضان »
 

128

229

330

41/5

52

63

74

85

96

107

118

129

1310

1411
1512

1613

1714
1815

1916

2017

2118
2219

2320
2421

2522

2623
2724

2825

2926

3027