معنى العقيدة
يعيش كلّ إنسان في هذه الدنيا وهو يحمل مجموعةً من الأفكار والآراء والنظريّات الّتي يؤمن بها ويعتقد أنّها صحيحة لا تقبل الشكّ، هذه الأفكار والآراء هي الّتي نسميّها العقيدة، لأنّها تُحكم سيطرتها على هذا الإنسان فتوثقه وتربطه وتشدّه إليها، في أفعاله وفي شعوره. وتتمثّل في الأصول الخمسة وهي: التوحيد، العدل، النبوّة، الإمامة، المعاد.
ارتباط العقيدة بالإنسان
ترتبط العقيدة بالإنسان من ناحيتين:
الأولى: عقل الإنسان: إنّ ما يعتقد به الإنسان يتحكّم بمجمل رؤيته للكون وللحياة، ولكلّ ما يفكّر به، حيث تكون العقيدة حاضرةً لدى الإنسان في كلّ فعل يقوم به أو قرار يتّخذه.
الثانية: قلب الإنسان: يمتاز الإنسان بأنّه يملك الشعور بالحبّ والبغض والإعجاب وغير ذلك، وأنواع الشعور هذه ترتبط أيضاً بما يحمله من عقيدة.
قال تعالى: ﴿آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾1, فصاحب العقيدة الراسخة لا يخاف بل يزداد إيماناً وصبراً عند الشدائد.
ارتباط العمل بالعقيدة
يَرِدُ السؤال الآتي: هل العمل أهمّ أو العقيدة؟ وما دور العقيدة إذا كان العمل الّذي يؤدّيه الإنسان صالحاً وصحيحاً؟
ينظر الإسلام إلى العقيدة على أساس أنّها المعيار في كون العمل مقبولاً، فلا يكفي لكي ينال الإنسان الآثار المطلوبة من العمل أن يأتي به صحيحاً، بل لا بدّ وأن يصدر منه على أساس العقيدة الصحيحة.
روي عن الإمام الباقرعليه السلام: “لا يَنْفَعُ مَعَ الشَّكِّ وَالجُحودِ عَمَل“2.
ونجد أنّ القرآن الكريم دائماً يقرن العمل الصالح بالإيمان: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات﴾3 .
نّ فائدة العمل الّذي يقوم به الإنسان تكون بمدى ما له من تأثير على تكامل هذا الإنسان، ولا يكون العمل مؤثّراً في تكامل الإنسان، من دون عقيدة تحرّكه. فالإنسان الجاحد للحقّ والمنكر له أو الشاكّ فيه، كيف يمكن أن يكون عمله هذا مقبولاً عند الله ويترتّب عليه الثواب وهو لا يؤمن من الأساس بوجود الله عزّ وجلّ؟!.
والإنسان الّذي يملك إيماناً حقيقيّاً ينعكس ذلك في حياته كلّها فيجعلها في طاعة الله.
لذا فإنّ أوّل سؤال يُسأل عنه هذا الإنسان بعد موته، وعند حضور الملكين إليه هو: من ربّك؟ وما هو دينك؟ ومن هو نبيّك؟
أي، ما هي عقيدتك، وما هي الأفكار الّتي كانت تدفعك لكلّ عمل قمت به في هذه الدنيا؟
طرق المعرفة
لم يطلب الله عزّ وجلّ من الإنسان المعرفة إلا وقد سهّل له طرق الوصول إليها، وهي متعدّدة، سهلة، وفي متناول الجميع، ولذلك وهبه الله سبحانه الأدوات الّتي من طريقها يصل إلى المعرفة الصحيحة، ومنها:
1- الحواسّ:
إنّ أوّل طريق يتعرّف الإنسان من خلاله على هذا الكون هو طريق الحواسّ الخمس (السمع ـ البصر ـ الشمّ ـ الذوق ـ اللمس). ويؤدّي فقدان حاسّة من هذه الحواسّ إلى فقدان الإنسان مجموعة من المعارف والعلوم.
2- العقل:
وهي الأداة الّتي وهبها الله عزّ وجلّ لهذا الإنسان، وخصّه بها دون غيره من المخلوقات. وامتلاك الإنسان لهذه الأداة جعله يدرك الأشياء الّتي لا تتمكّن سائر المخلوقات من إدراكها.
ومثال ذلك يدور حول التساؤل التالي:
هل رأيت الكهرباء؟ كيف تؤمن بوجودها وأنت لا تعرف حقيقتها؟
الجواب: العقل هو إحدى الطرق الّتي أوصلتك إليها، فمتى رأيت الضوء، علمت أنّ هناك طاقة ما جعلته يبعث النور.
وهذا إيمان بالعقل لا بالحسّ، لأنّك وصلت إلى يقين واطمئنان بوجود شيءٍ لم تدركه بواحدة من الحواسّ الخمس.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الطريقين، قال تعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾4.
معرفة الله عزّ وجلّ
تتحدّث الآية الكريمة: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾5 عن وجود طريقين لمعرفة الله عزّ وجلّ، يصل الإنسان من خلالهما إلى الإيمان بوجود الله، من خلال استخدام أداتي المعرفة لديه أي الحسّ والعقل.
الطّريق الأوّل: التأمـّل في الآفاق
إذا تأمّلت فيما يحيط بك من مخلوقات صغيرة وكبيرة، من شمس وكواكب ونجوم وليل ونهار وسحاب ومطر، فإنّك سوف تجد أنّها قد نُظّمت بشكل دقيق للغاية. بحيث لا تستطيع إلّا أن تعتقد بوجود قوّة عالمة قادرة قاهرة قامت بفعل ذلك كلّه. وهذا هو الله عزّ وجلّ.
وقد وردت آيات أخرى في كتاب الله عزّ وجلّ تفصّل هذا الطريق وتشرحه لنا منها قوله تعالى:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾6 .
الطريق الثَّاني: التأمـّل في الأنفس
لو نظر الإنسان إلى نفسه، فإنّه سوف يدرك تماماً أنّه لا بدّ له من خالق أوجده، لأنّه يعلم يقيناً أنّه لم يكن موجوداً ثمّ وجد فهو:
أ- إمّا أن يكون قد وجد من دون علّة ودون سبب، وهذا أمر لا يصدّقه عاقل.
ب- أن يكون هو الّذي أوجد نفسه، فهذا يعني أنّه لا بدّ وأن يكون موجوداً قبل أن يوجد لكي يخلِق نفسه، وهو مستحيل.
ج- أن يكون مخلوقاً لخالقٍ أعظم منه منزّه عن كلّ صفات المخلوقين، حيّ، عليم، قدير، وهو الله عزّ وجلّ، وهو الاحتمال الصحيح.
هوامش
1- سورة آل عمران، الآية 173. 2- الشيخ الكليني، الكافي،ج 2، ص 400. 3- راجع سورة الشورى, الآيات 23,22 و26. 4- سورة النحل, الآية 78. 5- سورة فصلت، الآية 53. 6- سورة البقرة، الآية 164. |
Add comment